الكاتب جوان سليفي
لطالما ارتبط الحديث عن التطبيع مع دولة إسرائيل بمواقف سياسية معقدة، ومشحونة بالعواطف السلبية والتاريخ المثقل بالصراعات. ومع ذلك، فإن العالم اليوم يشهد تحوّلات متسارعة وتبدلاً في الأولويات، ولم يعد من الحكمة أن تبقى الشعوب العربية أسيرة الماضي فقط.
بل حان الوقت لأن نطرح السؤال بصدق:
هل يمكن أن يكون التطبيع في مصلحة الشعوب؟
على مدى عقود، استمر الصراع والمقاطعة دون تحقيق تقدّم حقيقي، بينما كانت الشعوب العربية تدفع الثمن: تأخر اقتصادي، عزلة علمية، وضياع فرص تنموية هائلة.
ألم يحن الوقت لإعادة النظر، لا من باب التخلي عن القضايا العادلة، بل من باب البحث عن أدوات أكثر فاعلية للتأثير والبناء؟
إن التطبيع لا يعني الانفصال عن المبادئ، بل هو باب يُفتح أمام فرص اقتصادية وتنموية وعلمية حقيقية، تخدم الشعب العربي وتسهم حتى في تقديم حلول واقعية لقضايا مزمنة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
السلام مع دولة إسرائيل لا يعني نسيان الحقوق، بل يعني توسيع مساحة الحوار، بدلاً من استمرار الاعتماد على لغة السلاح التي أثبتت محدوديتها.
ومن الخطأ الفادح أن نخلط بين “التطبيع” و”التفريط”.
فالسلام لا يُقاس بالصمت عن الظلم، بل بإعادة صياغة وسائل المواجهة والضغط والتأثير من موقع الشراكة، لا من هامش المعادلة.
الإمارات: نموذج في اتخاذ القرار بذكاء سياسي يعكس رؤية استراتيجية للمستقبل
عندما قررت دولة الإمارات العربية المتحدة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لم تفعل ذلك خضوعاً أو تحت ضغط، بل اتخذت القرار من موقع القوة والسيادة السياسية.
وكان ذلك تجسيداً لدبلوماسية ذكية ومتزنة، جمعت بين المبادئ والواقعية، وبين دعم القضية الفلسطينية والحفاظ على مصالح الدولة العليا.
في العلاقات الدولية، لا تُبنى السياسات فقط على المبادئ، بل على موازين القوى والمصالح المشتركة.
ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار التطبيع مع إسرائيل نوعاً من الذكاء السياسي الهادف لتحقيق مكاسب استراتيجية، وعلى رأسها تعزيز السلام الإقليمي.
التطبيع لا يُلغي الحقوق بل يُمهّد للحل.
الاعتراف بحق الشعب اليهودي في دولتهم لا يعني إلغاء حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، بل يكون هذا الاعتراف مدخلاً واقعياً لبناء حل سياسي شامل وعادل يضمن حق الشعب الفلسطيني.
أما من يُروّجونَ لفكرة العداء الأبدي، فهم في الحقيقة يخشون السلام، لأن السلام يُهدد مواقعهم التي تأسست على استمرار الخوف والانقسام والمعاناة.
لقد أصبح من الواضح أن بعض النخب السياسية، داخل بعض الأنظمة، تعيش على تمزيق الشعوب وتغذية الصراعات، لأن الحرب تمدّهم بالشرعية، بينما يُسقطهم السلام من فوق الكراسي.
لننظر إلى المستقبل بعيون الأمل، لا من خلف متاريس الصراعات لا تكونوا أسرى للرفض من أجل الرفض.
التاريخ يتغير، والسياسة تتغير، والشعوب الذكية هي تلك التي تعرف كيف تتحرك في الوقت المناسب، وبالوسائل المناسبة.
التطبيع لا يُنهي القضية الفلسطينية، بل يكون طريقاً جديداً نحو حلّها بشكل عملي وفعّال.
فلنمنح الأجيال القادمة فرصة للعيش في سلام، بعيداً عن الحروب وأصوات المدافع.
ليست دعوة للتنازل، بل دعوة لرؤية واقعية وواعية، منفتحة على المستقبل، تسعى لبناء شرق أوسط جديد تُصان فيه كرامة الشعوب، وتُحترم فيه الحقوق.